الحمد لله رب العالمين
سيرته خفيّة مُجملة مغلقة ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقيقها وتفصيلها، وأذن له الله أن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق ولكن القرآن جاء بالحق الذي لا تخليط فيه من حال الرجل الذي يوصف بذي القرنين بما فيه إبطال لما خلط به الناس بين أحوال رجال كانوا في عصور متقاربة أو كانت قصصهم تُساق مساق من جاسوا خلال بلاد متقاربة متماثلة وهو وصف عربي يظهر أن يكون عرف بمدلوله بين المثيرين للسؤال وفي حديث أم عطية في صفة غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم عطية: فجعلنا رأسها ثلاثة قرون ، فيكون هذا الرجل قد أطال شعر رأسه وضفره ضفيرتين فسمي ذا القرنين فخبره اذن خفيّ دقيق وقيل أنه كان معاصراً إبراهيم عليه السلام وهو يؤيد ما أخبر به الامام باعتباره ابن نبي عاش في بلاد مجاورة لبلاد العرب وكان ملكا من ملوكها وهو ما روت أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضي الله عنهما، " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فقال: «ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من رَدم ياجوج وماجوج هكذا» " وأشار بعقد تسعين (أعني بوضع طرف السبابة على طرف الإبهام) ، وقد كان زوال عظمة سلطان العرب على يد المغول في بغداد وأن وصفه في القرآن بذي القرنين توصيف لا تلقيب ، وكانت بلاده التي فتحها مجهولة المواقع ولكن يبعد أن يكون هو المراد لأن العرب لا يعرفون من خبره مثل هذا، وقد ظهر من أقوالهم ذلك هو وجود كلمة (ذو) التي اشتهر وجود مثلها في ألقاب ملوكهم ولعل اجتهاد الأحباب الأنصار سيفصح عن شخصية ذي القرنين ولا ننسى في هذا السياق أحبابي الكرام قوله تعالى ( قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم) الآية ، حيث جعل خبر ذي القرنين تلاوة وذكراً للإشارة إلى أن المهم من أخباره ما فيه تذكير وما يصلح لأن يكون تلاوةً حسب شأن القرآن فإنّه يُتلى لأجل الذكر ولا يُساق مساق القصص وقوله ( مِنْهُ ذِكْراً ) الآية ، فيه تنبيه على أن أحواله وأخباره كثيرة وأنهم إنما يهمهم بعض أحواله المفيدة ذكراً وعظة ، ولذلك لم يقل في قصة أهل الكهف: نحن نقصّ عليك من نبئهم ، لأن قصتهم منحصرة فيما ذكر، وأحوال ذي القرنين غير منحصرة فيما ذكر هنا والأهم يا أحباب الله الأنصار من خاض هذا البحر العتي فانه لا يخشى من الغرق بل يفيد ما يفيد من جمهور أمته بقول كتب في الصادقين عند الله من أولي الألباب .
وسأتتبع معكم فصلا فصلا أحبابي الأنصار فصلا فصلا في عب هذا البحر العتي الزاخر في أعماقه بالدرر واللآلئ النفيسة :
قال تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً ) * ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً )
فالتمكين: جعل الشيء متمكناً، أي راسخاً، وهو تمثيل لقوّة التصرف بحيث لا يزعزع قوته أحد ، وحق فعل (مكنّا) التعدية بنفسه، فيقال: مكّناه في الأرض كقوله
( مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ) الآية ، فمعنى التمكين في الأرض إعطاء المقدرة على التصرف والمراد بالأرض أهل الأرض، والمراد بالأرض أرض معينة وهي أرض مُلكه ، وتقدم عند قوله تعالى:
( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ) الآية ،
فقوله تعالى ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ) الآية ، آتاه الله من علم أو مقدرة أو آلات التسخير اذن فعصره الذي عاشه كان مزدهرا أي آتيناه وسائل أشياء عظيمة كثيرة ، وفي ذلك بعض من دلائل نبوته .
(يتبع )