بسم الله الرحمن الرحيم
((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا))
{وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }النمل50
منقول
اقرأوا هذا المقال لتعلموا ماذا حدث في أفريقيا من بشائر ...
أربع حركات جهادية تستعد لإعلان"إمارة أزواد السلفية"
محمد محمود أبو المعالي
شكل انهيار نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وعودة آلاف المقاتلين الطوارق المدججين بالسلاح من صفوف كتائب القذافي إلى مواطنهم الأصلية في إقليمي "أزواد" بشمال مالي، وآيير في شمال غرب النيجر، تحولا جديدا وجذريا في المنطقة.
وبدا واضحا للعيان أن منطقة أزواد التي لم تعرف الاستقرار في سابق العقود الفارطة بسبب النزعة الانفصالية لسكانها، والفوضى التي تضرب أطنابها هناك منذ عشرات السنين، مقبلة على مزيد من الاحتراب والاقتتال،
وقد ساهم تجاهل الحكومة المالية في باماكو للتحذيرات والتقارير التي كانت تتحدث عن استعداد الطوارق لاستئناف حربهم، في التعجيل باندلاع شرار المواجهة، وما إن بدأت طبول الحرب تقرع هناك، حتى كان الطوارق قد أنهوا عملية الاستقطاب الداخلي واستقر أمرهم على جبهتين:
أولاهما: الجبهة الوطنية لتحرير أزواد (MNLN)، والثانية "حركة أنصار الدين".
ورغم أن كلا من الحركتين تسعى لأن تقدم نفسها كحركة جامعة شاملة تمثل جميع سكان أزواد، إلا أن سيطرة البعد القبلي فيهما ظل المبرر الفعلي الأول للتقسيم، فضلا عن أبعاد أخرى قومية وعقدية.
الحركة الوطنية لتحرير أزواد
تشكلت الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA) من "توماستيين" (نسبة إلى كلمة توماست وتعني القومية باللغة الطوارقية) وليبراليين ومستقلين، وآخرين لا يعرف لهم انتماء إيديولوجي، وهي حركة وطنية غير جهادية، تسعى لاستقلال إقليم أزواد وإقامة دولة مدنية فيه، ولها جناحان أحدهما عسكري والآخر سياسي، وبالرغم من محاولاتها الترويج في أدبياتها لنفسها باعتبارها حركة تمثل كل سكان الإقليم بمن فيهم العرب والفولان والسونغاي، فضلا عن الطوارق، إلا أن الواقع يعكس لوحة أخرى للحركة، قوامها بعد قومي قبلي، فرغم وجود عناصر عربية ومجموعات من بعض قبائل الطوارق المختلفة في صفوف الحركة، تبوأ بعضهم مناصب قيادية فيها، إلى أن السواد الأعظم من مقاتلي الحركة، ينتمون إلى قبائل "الايدينان" الطوارقية، وإليهم أسندت القيادة العسكرية، التي تولاها الضابط السابق في الجيش الليبي "محمد ناجم"، ومعه قادة آخرون انضم إليهم مقاتلون من أبناء قبائلهم، كما هو حال العقيد السابق في الجيش المالي "الصلاة خضي" الذي يقود فيلقا من مقاتلي قبيلة "شمان مس"، والقائد الميداني "اباه موسى" الذي انحاز إليه مقاتلون من قبائل "الايفوغاس"، قبل أن يعودوا بمعيته أدراجهم إلى "حركة أنصار الدين" الإيفوغاسية المنشأ.
وكانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد سباقة إلى إطلاق الشرارة الأولى للحرب ضد من الجيش المالي، عبر هجومها على مدينة "منيكا" بشمال شرق أزواد في شهر يناير الماضي، وسيطرتها لاحقا على مدينة "ليرة" في القسم الغربي لأزواد قرب الحدود مع موريتانيا، بيد أن الظهور القوي للحركة الوطنية عشية انطلاق شرارة الحرب بدأ يتراجع شيئا فشيئا، لصالح الفصيل الثاني من المتمردين الطوارق، وهو "حركة أنصار الدين" ذات التوجه السلفي الجهادي، حيث أعلن عدد من قادة الحركة الوطنية انضمامهم لأنصار الدين، كان آخرهم القائد العسكري "اباه موسى" الذي أعلن مع عشرات من مقاتليه انضمامهم لحركة أنصار الدين.
حركة أنصار الدين السلفية
الفصيل الثاني من المتمردين الطوارق هو "حركة أنصار الدين" وهي حركة يعرفها مؤسسوها بأنها "حركة شعبية جهادية سلفية"، أسسها الزعيم التقليدي "إياد غالي"، وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل "الإيفوغاس" الطوارقية، وقد قاتل إلى جانب نائبه في قيادة الحركة حاليا "الشيخ أوسكا" في جنوب لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت بداية ثمانينيات القرن الماضي، وذلك ضمن عشرات المقاتلين العرب والطوارق الذين أرسلهم معمر القذافي للقتال هناك، ثم قاد "إياد غالي" بعد ذلك التمرد ضد الحكومة المالية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان حينها قائدا قوميا أقرب إلى الفكر اليساري منه إلى الفكر الإسلامي، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق سنة1992، انتقل إلى المملكة العربية السعودية حيث أقام هناكوعمل قنصلا عاما لجمهورية مالي في جدة، لكن الرجل عرف في سنواته ألأخيرة توجها دينيا، حيث انتمى إلى جماعة "الدعوة والتبليغ" التي تتخذ من الدعوة السلمية نهجا لها، وترفض الخوض في القضايا السياسية وكل القضايا الخلافية للأمة، غير أن طموحات الرجل التاريخية، ومسؤولياته الاجتماعية والسياسية كشخصية قيادية اجتماعية في الطوارق، دفعته إلى المفاصلة مع "التبليغيين": واعتناق الفكر السلفي الجهادي، وتحولت رؤيته للعمل المسلح في أزواد من عمل نضالي تحرري، إلى عمل جهادي ديني،
ومع سقوط القذافي عاد "إياد غالي" أو "الشيخ إياد غالي" كما أصبح أنصاره يلقبونه، إلى أزواد واتخذ من سلسلة "جبال أغارغار" في منطقة "آدرار الافوغاس" مقرا له، وهي سلسلة جبلية يسيطر عليها مقاتلو تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ويسمونها "طورا بورا المغرب الإسلامي"، وبدأ في تجميع المقاتلين الطوارق.
وتحت عيون تنظيم القاعدة وبمباركة منها، أسس إياد غالي تنظيمه الجديد "حركة أنصار الدين"، بعد أن تداعى إليه المئات من أبناء قبيلة الايفوغاس التي ينتمي إليها، وبعض المنتمين لقبائل طوارقية أخرى، وقد بدا واضحا أن "إياد غالي" استغل مكانته الاجتماعية، وتوجهه الفكري السلفي، لقطف ثمار عشر سنوات من عمل عناصر القاعدة في المنطقة، الذين دأبوا خلال تلك العشرية على نشر دعوتهم السلفية بين السكان، مستغلين حالة التدين الهشة هناك، حيث يعتنق جميع السكان المذهب المالكي السني، لكن مستوى التدين والمعرفة الدينية متواضع، خصوصا في صفوف المجموعات الطوارقية، وبعض القبائل العربية، الذين غلبت على حياتهم طبيعة البداوة والصحراء التي أورثت ساكنتها مشاغل أخرى وأولويات يفرضها شظف العيش وقساوة الحياة، غير البحث عن المعارف والتعمق في التدين، فكانت المنطقة أرضا بكرا زرع فيها عناصر القاعدة بذور الدعوة السلفية الجهادية، فجاءت الاستجابة لدعوة إياد غالي مزدوجة، حيث تلبي البعد القبلي والقومي والانفصالي لدى الطوارق، وتتناغم مع الدعوة الجهادية المنتشرة هناك.
فأسس "إياد" حركة قوية، جمعت ترسانة ضخمة من الأسلحة الليبية التي أغرقت المنطقة، ودشن عمله العسكري بالهجوم على مدينة "أجلهوك" في أقصى الشمال المالي، وهي مدينة توجد بها قاعدة عسكرية محصنة تابعة للجيش المالي، واستطاع السيطرة عليها وغنم كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، ثم ما لبث أن استغل فشل مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد في اقتحام تحصينات قاعدة "تساليت" العسكرية التي أقامها الفرنسيون أيام احتلالهم لمالي في الجانب الشرقي من أزواد، فأرسل قواته لمهاجمة القاعدة بعد انسحاب مقاتلي الحركة الوطنية من محيطها، وتمكن من اقتحامها والسيطرة عليها، ليصبح بذلك المسيطر على أهم المواقع العسكرية والإستراتجية في أزواد، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركته، حيث أسس مجالس محلية لتسيير شؤون المدن والبلدات التي سقطت في يد مقاتليه، وكانت البداية بمدينتي "أغلهوك" و"تساليت" وهما مدينتان كانتا تعرفان في المنطقة باسم "باريس الصغيرة"، ليس لتقدمهما أو بنيتهما التحتية، ولكن لطبيعة الحياة المتحررة لسكانهما، حيث كانت مظاهر السفور والتقليد الغربي منتشرة، لكن مقاتلي "حركة أنصار الدين" غيروا مسار الحياة في المدينتين بعد السيطرة عليهما، إذ منعت النساء من الخروج سافرات، (مع العلم أن سفور المرأة واقع تقليدي في حياة الطوارق، وليس تأثيرا غريبا وافدا)، وانتشر الملتحون في الشوارع، وبدأ الناس يتحدثون عن حياة شبيهة بحياة مدينة قندهار الأفغانية عشية سيطرة حركة طالبان عليها.
ومع تزايد قوة "حركة أنصار الدين"، أعلن القيادي في الجبهة الوطنية لتحرير أزواد "اباه موسى" انضمامه لها، مع عشرات المقاتلين من عناصر الحركة، كما دخل العقيد "حسن فكاكا" ـ حسب مصادر الحركة ـ وهو أحد القادة التاريخين للتمرد الطوارقي، في مفاوضات مع الحركة للانضمام إليها.
بل وصل الأمر ببعض قادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد حد تقديم عرض قبل أسبوعين بانصهار الحركتين في كيان واحد، وأجريت مفاوضات في مدينة تساليت لهذا الغرض بين قياديين من "أنصار الدين"، و"الحركة الوطنية"، طالب خلالها عناصر الحركة الوطنية بتغيير الاسم (أنصار الدين)، وعدم قبول أي عنصر أجنبي في صفوف الحركة الجديدة، في إشارة إلى مقاتلي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وقد ردت حركة "أنصار الدين"، بموافقتها المبدئية على تغيير الاسم، شريطة أن لا يشمل الاسم الجديد عبارات مرفوضة سلفيا مثل: الوطنية أو القومية، كما دافعت عن إيواء الأجانب وقبولهم لديها، بالقول إنها لن تخذل مسلما مطاردا لجأ إليها، وأصرت على تمسكها بنهجها السلفي، وعزمها تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها، معلنة أن أي مجموعة أو حركة تريد الانضمام لها يجب أن تقبل بالمنهج والمبدأ، وقد توقفت المفاوضات مع استمرار التنسيق والتعاون بين الحركتين.
وقد جاء الوجود القوي لحركة أنصار الدين السلفية الجهادية وسيطرتها على كبرى القواعد العسكرية في شمال مالي، بمباركة ودعم من مجموعات سلفية جهادية أخرى كانت قائمة هناك، وفي مقدمتها "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، و"حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، وبات واضحا أن الخلاف بين تلك الحركات أصبح مجرد خلاف في الاسم، بعد أن توحدت الجهود نحو هدف واحد، وهو إقامة كيان إسلامي في أزواد على منهج السلفيين الجهاديين.
حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا
ويعتبر العارفون بالمنطقة "حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا"، نسخة عربية من حركة "أنصار الدين" الطوارقية، رغم أن تأسيسهما كان بالتزامن، فحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا ظهرت إثر انشقاق قادتها على تنظيم القاعدة بعد رفض هذه الأخيرة طلبهم تأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد، أسوة بسرية "الأنصار" في تنظيم القاعدة التي تضم المقاتلين الطوارق، لكن قادة القاعدة الذين ـ استفادوا ـ على ما يبدوا ـ من تجربة الاقتتال الداخلي في الجزائر، قرروا امتصاص غضب رفاقهم في السلاح، والتنسيق معهم، بحيث تحول الخصام إلى تعاون، وقد جسدت الحركتان تنسيقهما عمليا في صفقة تحرير الجندي الموريتاني الذي كان محتجزا لدى القاعدة، وأفرج عنه مقابل أحد العناصر المطلوبة للحركتين.
ويقود حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا، القيادي البارز في مجموعة "الأمهار" القبيلة "سلطان ولد بادي" وبمعية الناشط الموريتاني السابق في القاعدة حماد ولد محمد الخير، المكنى "أبو القعقاع"، وإليهما انضم عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية بأزواد، تماما كما شكلت "حركة أنصار الدين" الواجهة السلفية الجهادية داخل المجموعات الطوارقية، وقد أعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا عن نفسها في أكتوبر عام 2011، ونفذت عملية اختطاف لثلاثة رعايا غربيين من مخيمات اللاجئين الصحراويين قرب مدينة تيندوف جنوب الجزائر، كما أعلنت مسؤوليتها عن هجوم انتحاري ضد معسكر للدرك الجزائري في مدينة تامنراست بداية شهر مارس الجاري.
حركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية
وإضافة إلى الحركتين السابقتين توجد حركة "أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية، وهي حركة أسستها مجموعة من أبناء الولايات الجنوبية في الجزائر، وقد أعلن عنها لأول مرة في أكتوبر 2007، عندما نفذت أول عملية عسكرية لها، حين قامت بالهجوم على شركة نفطية في الجنوب الجزائري بمنطقة "عين اميناس"، غير أن أشهر عملية قامت بها هي الهجوم على مطار جانت Djanet الدولي في جنوب الجزائر فجر يوم الثامن نوفمبر 2007 ، وقد تمكنت السلطات الجزائرية حينها من استيعابها بواسطة مفوضات شارك فيها بعض أعيان المنطقة، وأعلنت الحركة انتهاء العمل المسلح، قبل أن تعود من جديد، وتصدر بيانا وشريطا مصورا، في سبتمبر 2011 معلنة أنها تتخذ من شمال مالي مقرا لها، وتؤكد المعلومات المتوفرة أن الحركة على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وباتت تعتمد الفكر السلفي الجهادي نهجا لها، وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ورغم أن الحركة أعلن أن نشاطاتها يقتصر على مواجهة النظام الجزائري، إلا أن اعتناقا عناصرها للفكر الجهادي ووجودهم في شمال مالي، سيجعلهم شركاء لا محالة في تأسيس الكيان السلفي في الصحراء الأزوادية .
القاعدة.. "الراعي الرسمي" لإمارة أزواد
وبين "جماعة أنصار الدين" السلفية الطوارقية، و"حركة الجهاد والتوحيد" السلفية العربية، وحركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية، يقف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، فارضا نفسه وصيا روحيا عليهم، باعتباره صاحب قصب السبق في إدخال الدعوة السلفية الجهادية إلى المنطقة، والتغلغل فيها، ويقر له الجميع بالأقدمية في "ساحة الجهاد والدعوة السلفية"، وإلى منظريه ومفتيه يلجؤون في حل القضايا الفقهية والعلمية الشائكة، ويعتبر تنظيم القاعدة الذي وصل إلى المنطقة سنة 2003، على يد أمير كتيبة الملثمين "مختار بالمختار" الملقب "بلعور" أرسخ التنظيمات السلفية قدما في الصحراء الكبرى عموما ومنطقة أزواد خصوصا، وقد تمكن من استقطاب الكثيرين هناك رغبا ورهبا، حيث كانت يده تطال خصومه في المنطقة تصفية واختطافا، وعطاياه تغدق على مهادنيه ومواليه، هذا فضلا عن أن قيادة التنظيم في الصحراء الكبرى عرفت في الفترة الأخيرة ما يمكن أن يوصف بنصف مراجعات، ساهمت في انفتاحه على المجتمع وبعض التنظيمات الأخرى، وإن كانت هذه "المراجعات" اقتصرت على جانب الآليات العملية وترتيب الأولويات، والاعتراف بارتكاب أخطاء خلال السنوات الماضية، مع الاحتفاظ بالبعد الفكري الجهادي، فلأول مرة يعترف التنظيم بارتكابه أخطاء في حربه ضد حكومات المنطقة، حيث أقر أمير كتيبة الملثمين، "بلعور" في مقابلة أجيرتها معه ونشرت في شهر نوفمبر الماضي، بارتكاب أخطاء تتعلق بقتل بعض الأسرى وذبح الجنود، كما أعرب لأول مرة عن استعداد التنظيم للدخول في هدنة مع الحكومة الموريتانية، ورحب ـ في نفس المقابلة ـ بإرسال الحكومة الموريتانية وفدا من العلماء لمفاوضة التنظيم والحوار معه، بل ومضى "بلعور" إلى حد القول إنهم على استعداد لمناقشة القضايا الفكرية، مع العلماء بغض النظر عن اختلافهم معهم (و نحن على استعداد كذلك لأي نقاش علمي على منهج وأصول أهل العلم لدراسة التحديات التي تمر بها أمتنا المسلمة)،
هذه الدعوة للهدنة مع موريتانيا والحوار مع علمائها، والاعتراف بارتكاب بعض الأخطاء، تزامن مع تناقص عمليات إمارة الصحراء في الجزائر، وتعزيز الترسانة العسكرية لدى عناصر التنظيم في أزواد عبر استيراد كميات كبيرة من الأسلحة الليبية، تدخل كلها ضمن التحضير لعمل كبير في المنطقة، جاءت أشراطه وبدأت نذره تتراءى في الأفق القريب، ويتعلق الأمر ـ حسب المؤشرات ـ بإعلان ميلاد كيان إسلامي سلفي، تستعد الحركات الأربعة (أنصار الدين، القاعدة، حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، أبناء الصحراء) لإعلانه.
وقد جاء الانقلاب العسكري الأخير في مالي، ليصب في صالح "المشروع السلفي الجهادي" هناك، حيث يواجه الجيش المالي انهيارا معنويا بسبب الفوضى الناتجة عن الانقلاب في باماكو التي شغلت بتداعيات الانقلاب عن حرب الشمال، كما أن العالم وجد في مناهضة الانقلاب والعمل ضده، ومتابعة الأوضاع هناك، مستنفدا لجهوده، وأصبح الشمال المالي شبه غائب عن العيون الدولية والإقليمية، أو على الأقل لم يعد يحتل صدارة اهتماماتها، فقرر ّالجهاديون" بمختلف فصائلهم اغتنام الفرصة وبدؤوا التحضير لإعلان "المفاجأة".
التحضير للسيطرة العسكرية
وحسب المؤشرات الأولية والتسريبات المتوفرة فإن الحركات الأربع تستعد لفرض سيطرتها عسكريا على الأرض عبر احتلال مدنه الكبرى (كيدال، تمبكتو، غاوة)، مفاوضة أو مغالبة، حيث تحاصر قوات "حركة أنصار الدين" مدينة كيدال ذات الأغلبية الطوارقية، عاصمة الشمال، وتستعد للانقضاض عليها، بينما لا يستبعد أن توكل مهمة مهاجمة مدينتي غاواة وتمبكتو، لحركة التوحيد والجهاد، وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، باعتبار أنهما مدينتان ذواتا أغلبية عربية، على أن تكتفي "أنصار الدين" بالدعم والمؤازرة في معركة السيطرة عليهما، ويرجع اختيار الحركتين لمهاجمة المدينتين، دون مشاركة ميدانية لحركة أنصار الدين، إلى محاولة القائمين على المشروع السلفي في أزواد، تفادي الحساسات الاجتماعية والتاريخية بين القبائل العربية والطوارقية، ولا يستبعد أن تبدأ تلك الهجمات قريبا، في محاولة من تلك الحركات لاستغلال حالة الفوضى التي تعرفها مالي بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس آمدو توماني توري، قبل أن يلملم الجيش المالي أشتاته ويضمد جراحه، وإن كان العارفون بالساحة الأزوادية يعتقدون أن ما يؤجل إعلان تلك الإمارة هو وجود رجل القاعدة القوي "بلعور" خارج صحراء أزواد حاليا، حيث ترجح مصادر مطلعة وجوده حاليا في الصحراء الليبية، ولا يستبعد أن تشكل عودته إلى أزواد فرصة لتفعيل جهود إعلان الإمارة السلفية هناك.
وتتحدث مصادر موثوقة في المدينتين عن اتصالات يجريهما قادة الحركتين الجهاديتين مع بعض الشخصيات العسكرية والتقليدية العربية هناك، في محاولة لاستمالتهم أو التفاوض معهم حول طريقة تمكن من وضع اليد على المدينتين دون قتال أو إثارة حساسيات.
تحديات تواجه الإمارة السلفية في أزواد
غير أن إعلان إمارة سلفية في أزواد سيواجه لا محالة عقبات محلية وإقليمية ودولية كبرى، فعلى المستوى المحلي، تواجه "حركة أنصار الدين" رفضا داخل أوساط بعض القبائل الطوارقية، ذات العداء التاريخي مع قبيلة "الإفوغاس" التي ينتمي إليها زعيم الحركة "إياد غالي" ومعظم مقاتليه، خصوصا قبيلة "الايمغاد" ذات الكثافة البشرية، والتي رفضت حتى الآن المشاركة في التمرد، ويوجد أحد كبار ضباطها وهو الكولونيل "الهجي غامو"، على رأس الحامية العسكرية التابعة للجيش المالي المتحصنة في مدينة كيدال التي تحاصرها "حركة أنصار الدين"، ومن المعروف تاريخيا أن علاقات "الإيمغاد" مع قبائل "الايفوغاس" تتسم بالحساسية المفرطة، نظرا لاعتبارات اجتماعية وقبلية وتاريخية، كما أن قبائل "الإيدنان" و"كلت نصر" و"شمان مس" وغيرها، لها تاريخ مليء بالحروب والدماء والثارات مع "الايفوغاس"، غير أن "إياد غالي" وشيعته يصرون على أن حركتهم سلفية جهادية لا دخل لها في الاعتبارات القبيلة والقومية، ولا تتحمل مسؤولية تراكمات اجتماعية وتاريخية لم يعد هناك مبرر للالتفات إليها، أما على مستوى القبائل العربية فهناك تحديات كبيرة تواجه مشروع الإمارة السلفية في أزواد، وفي مقدمتها تلك الاحتكاكات التاريخية بين القبائل العربية في أزواد خصوصا "كنتة" و"البرابيش"، وبين القبائل الطوارقية، ويعزز ذلك الرفض المحتمل كون الشخص المؤهل لقيادة إمارة أزواد الإسلامية حاليا هو "الشيخ إياد غالي" الطاريقي، الأمر الذي لن يكون مستساغا من طرف القبائل العربية على المستوى المحلي في أزواد، هذا فضلا عن أن "الجهاديين العرب" هناك ممثلون في تنظيم القاعدة وحركة التوحيد والجهاد، يواجهون عقبات أخرى في التناغم مع المجموعات القبلية، إذ تواجه القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي رفضا داخل مجموعات قبائل "البرابيش" المنتشرة في تمبكتو وضواحيها، وقد تحول العقد الماضي إلى صراع بين القاعدة ومجموعات "أولاد اعيش" من قبائل "البرابيش"، التي توجد بينها وبين القاعدة دماء لم تجف بعد، حيث قضت القاعدة على عدد من عناصر المجموعة القبلية بينهم الضابطان المرموقان لمانة ولد البو وحم ولد سيدي احمد سنة 2009، واشتبكت مع عدة مرات مع مليشيات تابعة للمجموعة القبلية، كما أن بعض المجموعات ذات البعد الروحي والصوفي لن تكون مرتاحة لسيطرة المد السلفي هناك، ثم إن هيمنة مجموعة قبيلة "الأمهار" العربية على حركة التوحيد والجهاد في إفريقيا، يعزز من فرضية تحسس باقي المجموعات العربية منها.
وإقليما ودوليا لن تقبل دول المنطقة خصوصا الجزائر وموريتانيا، وكذلك فرنسا والغرب عموما بإمارة سلفية في الصحراء، قد تشكل نواة لعمل "جهادي" يستنسخ تجربة طالبان والقاعدة في أفغانستان، وربما تصل شرارته مناطق نائية من العالم، كما حصل مع إمارة طالبان التي احتضنت القاعدة فطاف نشاطها الجهادي أصقاع العالم، بدء من نيروبي ودار السلامة، وليس انتهاء بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، لذلك لن تكون هذه الإمارة بمنأى عن ضربات الطيران الأمريكي وحلف الناتو، وربما هجمات برية من جيوش المنطقة.
ورغم ذلك فإن المؤشرات توجي بأن الحركات الجهادية في الصحراء الكبرى والساحل عموما، ومنطقة أزواد خصوصا ماضية قدما في التحضير لأمر جلل، وأغلب الاحتمالات تصب في أن يكون إعلان إمارة سلفية جهادية، ستكون لها امتداداها وولاءاتها في المنطقة عبر تنظيم "بوكو حرام" في نيجيريا، وخلايا جهادية نائمة تنتشر في تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ
1 - { قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }مريم 75
2 - { حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } الجن24